
فقدان جلل ونعي اليم
بأسى عميق وحزن جارف، أنعى القائد الوطني الكبير والزعيم النقابي الفذ، والسياسي البارز محمد نوبير الأموي،وإنني إذ أنعاه اليوم فأنا أنعى رجلا من أبناء هذا الوطن المخلصين الأوفياء، نذر عمره، لخدمة قضايا وطنه بعطاء ثـر متواصل طيلة حياته، ونضال مستمر لا يكل، عرفته ساحات النضال السياسي مناضلا لا تلين عريكته، كما عرفته معارك الطبقة العاملة زعيما قائدا ونقابيا صامدا ، خبرته المخافر والزنازين والمعتقلات السرية، فلم تلن قناته، ولم تر منه سوى الثبات على المبدأ ، والعزم على السير قدما نحو وطن ينعم بالديمقراطية والحرية، والإصرار على تمتع الطبقة العاملة بحقها في العيش الكريم، باذلا الثمن من حريته الشخصية واستقرار أوضاعه المعيشية والأسرية، فمن متابعته و محاكماته ، و التوقيف عن العمل في ستينيات القرن الماضي الة محاكمات واختطافات بداية السبعينات حيث ستعرفه المعتقلات السرية والعلنية دار المقري ، درب مولاي الشريف وغياهب الكوربيص.
ولم يكن يتوانى أو يتراجع عن الصدع بصوت عال من أجل نظام سياسي ديمقراطي يستجيب لتطلعات الشعب المغربي مهما كلفه الأمر ، فكانت محاكمته سنة 1992 بسبب تصريحات علنية جريئة؛ إذ كان أول من طرح جماهيريا ضرورة الانتقال من ملكية تنفيذية إلى ملكية برلمانية.
لقد كانت حياة الرجل سلسلة متواصلة من المعارك الوطنية، و السياسية ، والنقابية قبل الاستقلال وبعده؛ فقد انخرط في حزب الاستقلال إبان الفترة الاستعمارية، وكان عنصرا فاعلا ضمن خلايا جيش الأطلس في حركة المقاومة السرية، وبعد الاستقلال التحق بالجامعات المتحدة لحزب الاستقلال وحركة 25 يناير 1959. ثم بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ليتم انتخابه فيما بعد عضوا باللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية خلال المؤتمر الاستثنائي .
ويعتبر المرحوم محمد نوبير الأموي من المناضلين القلائل الذين يتقاطع لديهم النضال السياسي، بالنضال النقابي ويشكلان منه رجل النضال المتكامل، وهكذا نكتشف الحضور الفاعل للرجل على مستوى العمل النقابي منذ التحاقه بالاتحاد المغربي للشغل سنة 1957
مرورا بتكليفه من طرف التنظيم الحزبي بقيادة المهدي بنبركة مسؤولية اللجنة العمالية بالرباط،و المساهمة في تأسيس النقابة الوطنية للتعليم، ثم الانخراط الفاعل في التحضير لمشروع تأسيس البديل النقابي. وانتخابه كاتبا عاما للكونفدرالية الديمقراطية للشعل، خلال المؤتمر التأسيسي سنة 1978، لينطلق بعدها في قيادة المعارك النضالية للطبقة العاملة المغربية ويكفي أن نذكر إضراب قطاعي التعليم والصحة في أبريل 1979 وما استتبعه من اضطهاد متنوع المظاهر، ثم الإضراب الوطني ليوم 20 يونيو 1981 الذي غابت شمسه مسجلة اعتقال المرحوم نوبير الأموي ورفاقه وإغلاق مكاتب النقابة، وسقوط ضحايا بفعل الهجمة الشرسة للسلطة المخزنية آنئذ. و ستستأنف الطبقة العاملة معاركها تحت قيادته بعد إطلاق سراحه، ليكون إضراب دجنبر 1990 بما ترتب عنه من أحداث مؤلمة.
في خضم هذا العمل النضالي الذي كان يخوضه المرحوم محمد نوبير الأموين، عرفت الرجل عن بعد بحضوري في محطات الفاتح من ماي بلاكازابلانكيز، والمشاركة في المسيرات العمالية .و تعرفت عليه عن قرب خلال التحضير لأحد مؤتمر الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، ومشاركاتي في اللجنة الاقتصادية للمؤتمر، وتوالت مساهماتي في أنشطة النقابة ولجانها كلجنة إعداد مقترحها بخصوص مدونة الشغل ، أو اللجان التي تشكل لمناقشة القضايا الاقتصادية والاجتماعية. ثم تعمقت علاقتي بالراحل بعد الانسحاب من المؤتمر السادس للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والانخراط الجدي في التحضير للمؤتمر الوطني الاتحادي . وبعد ذلك سيتم اقتراحي من طرفه لتدبير شؤون الحزب من موقع الأمين العام في مؤتمر 2006 . ومن ثم أصبحت لقاءاتنا تكتسي طابع الاستمرارية ، حيث انخرط بشكل قوي في دعم مشروع بناء الحزب.
إن قربي من الرجل جعلني أكتشف فيه صورة القائد الذي يحسن الإنصات، وإذا تحدث فعن عمق ثقافي متعدد الأبعاد؛ ثقافة سياسية وأدبية ودينية واقتصادية ، كما لمست فيه عمق الانتماء للوطن ، وشدة التمسك بالقضايا القومية . وقد استمرت لقاءاتنا دون انقطاع إلى أن تعذر الاتصال به من قبل أصدقائه وخلانه خلال السنة الأخيرة .
إنه برحيل القائد نوبير الاموي نكون قد فقدنا سياسيا بقامة حزب، ينير الطريق حين يسود التيه، بحصافة الرأي ، وبلاغة العبارة، وقوة الحجة، وسداد المنطق. فكان بذلك مناط استقرار ، ومصدر تحفيز على النضال والاستمرار. .وظل بذلك عنصرا قويا من عناصر المناعة الاجتماعية والسياسية ضد الظلم و الاستبداد والاستغلال.
إن نعي محمد نوبير الأموي في هذا اليوم بالذات ،عشية استحقاقات انتخابية مفصلية في تاريخ وطننا، وراهنة لمستقبل شعبنا ، يجعلنا نتساءل عن دلالة هذا الرحيل ؛ أهو رفض لان يعيش لحظة أخرى من لحظات الانكسار السياسي، على طريق الديمقراطية وحقوق الإنسان، ورفاه المواطنين، وكرامة الطبقة العاملة ، أم هو رحيل المطمئن على أن الوطن لن يخلف موعده مع التاريخ هذه المرة ، وأنه سيتجاوز عثرات الماضي وسقطاته ، وبالتالي فقد آن للفارس أن يترجل .
إننا أمام مصاب جلل في هذا اليوم المفعم بمشاعر الحزن والأسى نعزي أنفسنا في حزب المؤتمر الوطني الاتحادي، ونعزي إخواننا في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وعموم أصدقاء الراحل ومحبيه ، كما نتقدم لأسرته الصغيرة والكبيرة بأحر التعازي وعظيم المواساة ، فصبر جميل والله المستعان.
تغمّد الله فقيد وطننا بواسع رحمته، و أسكنه فسيح جنانه، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.وإننا لله وإنا إليه راجعون.
الدار البيضاء في 07 شتنبر 2021
عبد السلام العزيز
الامين العام لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي