
في البدء كان المنطوق قبل ان يكون المكتوب ، فاللغة هي انتاج واقع معين و إفراز لتناقضاته،فسواء كانت الكلمة منطوقة او مكتوبة فالوعي هو الذي يفرزها و هي وسيلة وليست غاية.
فما المعنى ان تكون اميا؟
اشكالية الأمية ليس بالضرورة الا يجيد الانسان (وان كان مفروض على الانظمة الحاكمة ان توفر شروط التعلم للشعوب المحكومة) الكتابة و القراءة،وليس بالضرورة ان تفك طلاسيم الحروف ليقال انك مثقف،لان الوعي هو المحدد الرئيسي في بناء الافكار و العامل الرئيسي في إنتاجها و صياغتها،فكم من العظماء اثروا الفكر الانساني شفهيا وليس بالمكتوب،وكم من الحضارات الانسانية كان لها صيت و ما اعترافنا بمفهوم حضارات ما قبل التاريخ يؤكد تراكمات مثوارثة شفهيا ولم تكن مكتوبة ،و في عكس هذا كم من الاشخاص ورغم إلمامهم بالكتابة و القراءة كانوا مجرد مستهلكين لا منتجين .ان الفعل الحقيقي للوعي هو فعل مرتبط بصياغة مبدا ما انطلاقا من تناقضات مجتمع ما سواء بشكل عمودي او بشكل افقي،من خلال التجربة و الممارسة،يعني استيعاب الدروس من الواقع المادي الملموس،هذا الاستيعاب هو ذاك الوعي العميق الذي لا يحدد لا بالكتابة و لا القراءة -فمثلا راعي الغنم الذي يعزف تقاسيم موسيقية بقصبته فهي تعبير نفسي عميق عن معاناته اليومية الروتينية بينه وفي علاقته مع الطبيعة و قطيع الأغنام -و إنما بفضل التدقيق بالأحداث و أنصاف الحقائق بتفسيرهما و تحليل تفاصيلهما اعتبارا من ان الواقع ليس سوى مأساة حقيقية كبرى ،و بالتالي صياغة نمط فكري للتفكير في واقع جديد بافق انساني لا يستمد مرجعيته من الخطاب الديني المبني على تجارة الوهم فيما يتعلق بالعدالة،اي بافق اقل تعاسة مما هو عليه الان،علما ان حالة بلوغ الوعي بحقيقة الواقع المادي المعاش هو المحدد الرئسي في الاحساس بوجود الألم من عدم وجوده،فعدم الوعي بطبيعة التناقضات الطبقية في ظل هذا الواقع هو في حد ذاته(الوعي)يشكل آلية مؤامرة على من يعيش هذالواقع،وهذا نوع من انواع الوعي الزائف،هذا الاخير هو ما تسعى الطبقة المسيطرة على تسويقه وفرضه على الجماهير على انه الوعي لتسهيل عملية استغلالهم بذون وعيهم و بنقيض وعيهم الحقيقي.
ان دور المثقف هو سبر أغوار خطاب الطبقة المسيطرة وتفكيك وعيها بموقعها و نقضه انطلاق من تناقضاتها اليومية و أزماتها المسترسلة،هذا التفكيك والتحليل و النقد يجب ان يكون من داخل الجماهير الشعبية بخلق حلقات نقاش اوباشكال اخرى،وليس بالضرورة ان يكون بالكلمة المكتوبة.
بقلم ذ/ ابو فاطمة الزهراء